و"محكمة غزة" مبادرة دولية مستقلة، أسسها في العاصمة البريطانية لندن في تشرين الثاني 2024، أكاديميون ومثقفون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلو منظمات مدنية، بسبب "إخفاق المجتمع الدولي تماما في تطبيق القانون الدولي بقطاع غزة".
وعقدت الجلسة الختامية في قاعة "جميل بيرسل" بجامعة إسطنبول، برئاسة المقرر الأممي السابق المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة البروفيسور ريتشارد فولك، وتناولت الجلسة قضايا "الجرائم ضد المدنيين والصحفيين ونظام التعليم".
وشارك في الجلسة، التي قُسمت إلى ثلاثة محاور رئيسية، كل من الصحفي أحمد الناعوق، والمحامية الفلسطينية مديرة مؤسسة "الضمير" سحر فرنسيس، والناشطة والباحثة هالة شومان.
وفي محور "الجرائم ضد الصحفيين"، تحدث الصحفي الفلسطيني أبوبكر عابد، ومدير ومؤسس عيادة القدس لحقوق الإنسان الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة القدس الدكتور منير نسيبة.
وفي محور "إبادة التعليم"، قدم كل من الطالبين الغزيين أسامة الأوسطا، ومالك السويركي، والأستاذ في جامعة كامبريدج وسام عامر، مداخلاتهم وتقييماتهم.
وفي محور "الجرائم ضد المدنيين" ألقى الصحفي أحمد الناعوق، كلمة بعنوان "لسنا أرقامًا – صوت الشباب الفلسطيني" قال فيها ان 21 فردًا من عائلته الذين قتلوا على يد إسرائيل "لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا بشرًا من لحم ودم".
وقالت المحامية الفلسطينية سحر فرنسيس، في كلمتها بعنوان "الاعتداء الجنسي والاعتقال الجماعي" إن معاناة سكان غزة بدأت قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 بكثير، وقد وثقها الخبراء والمختصون منذ عقود.
وأوضحت أنه قبل أكتوبر 2023 كان هناك نحو 5 آلاف و200 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، ورغم الإفراج عن حوالي 2000 أسير من غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، إلا أن العدد ارتفع اليوم إلى 9 آلاف و100 أسير بينهم 400 طفل و53 امرأة.
وتحدثت فرنسيس عن حالات تجويع وتعذيب واغتصاب يتعرض لها الأسرى الغزّيون مؤكدة أنه "لا عدالة من دون محاسبة"، وأن من الضروري أن يدفع مرتكبو الجرائم المنظمة منذ عام 1948 ثمن أفعالهم.
قدّم الصحفي الفلسطيني أبوبكر عابد، عرضاً بعنوان "شهادة صحفي فلسطيني من غزة اكد فيها أنهم في غزة لا يقومون فقط بالعمل الصحفي، بل أكثر من ذلك.
وقال: "هذا ليس مجرد توثيق للإبادة الجماعية، لأننا جزء منها. نحن لا نعيش حياة مترفة في فنادق خمس نجوم لنغطي ما يحدث من بعيد. نحن لم نأتِ إلى غزة لتغطية الخبر من الخارج، بل أصبحنا جزءاً منه. الألم ألمنا، والمعاناة جزء من حياتنا، ونحن نؤدي أكثر من عمل في الوقت ذاته".
وأضاف عابد، أن بعض وسائل الإعلام تذهب إلى غزة بحثاً عن "الشهرة" بدلاً من نقل معاناة الناس، وتنشر أكاذيب إسرائيل.
وأشار إلى أن من أهم خطوات "محكمة غزة" هو محاسبة جميع الأطراف، بما في ذلك وسائل الإعلام الغربية وشدد على ضرورة توثيق كل جريمة ترتكبها إسرائيل في غزة ومحاسبة حكومة تل أبيب.
وقال عابد: "إحياء إنسانية الفلسطينيين وضمان تحقيق العدالة تجاه من أنكروا إنسانيتنا مسؤوليتنا المشتركة. الصحفيون الغربيون يجب أن يدفعوا ثمن ما سمحوا بحدوثه خلال العامين الماضيين".
وقدّم مدير عيادة القدس لحقوق الإنسان في جامعة القدس، الدكتور منير نسيبة، عرضاً بعنوان: "القضاء على الصحفيين: الهجمات الممنهجة ضد الصحافة في غزة كإستراتيجية إبادة جماعية".
وأشار نسيبة، إلى أن إسرائيل منذ زمن طويل تفرض قيوداً على دخول وتحرك الصحفيين الأجانب في غزة، مما يجعل تغطية الأحداث أمراً بالغ الصعوبة.
وقال في عرضه "إسرائيل تضمن بوسائلها أن تبقى المجازر الجماعية وتدمير البنية التحتية المدنية في غزة غير مرئية إلى حد كبير مشيرا الى أن الحصار الإعلامي المفروض على غزة جعل من الصعب رؤية أبعاد الإبادة.
وأشار إلى أن أكثر من 248 صحفياً قُتلوا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، منهم 56 صحفياً استُهدفوا بشكل مباشر، في حين أن عدد القتلى من الصحفيين في غزة خلال أقل من عامين يفوق مجموع من قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحرب فيتنام (1955-1975) معا.
واختتم قائلاً إن استهداف الصحفيين عمداً يمكن اعتباره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
وقدّم الطالب الغزّي أسامة الأسطة، كلمة بعنوان "الطالب الغزّي: الأحلام المسلوبة" تحدث فيها عن أيامه كطالب قبل أن تبدأ إسرائيل حربها على غزة.
وقال الأسطة: "مثل أي شاب، كنت أذهب إلى المدرسة وأحلم بالمستقبل. طفولتي، ذكرياتي، الشوارع التي بدأت منها حياتي، كلها دُمّرت. شاهدت جامعتي تحترق أمام عيني. لم يكتفوا بتدمير مبانينا، بل دمّروا مستقبلنا".
وأشار إلى أن هناك عدداً كبيراً من الطلاب قُتلوا أو كتمت أصواتهم أو هُجّروا من بيوتهم وسُلب منهم حق الوجود وان أكثر من ألف أستاذ جامعي في غزة قُتلوا.
وأضاف الأسطة: "تم إسكات الطلاب عمداً وتدمير أحلامهم. جيلنا سيحمل هذا الألم إلى الأبد".
أما الطالب الغزّي مالك السويركي، فألقى كلمة بعنوان "مجزرة المدارس في غزة: شهادة على التدمير المنهجي للتعليم".
وقال السويركي، إن غزة كانت قبل الحرب من بين أعلى المناطق في الشرق الأوسط من حيث نسب التعليم، لكن إسرائيل استهدفت بشكل منهجي البنية التعليمية في القطاع.
وأشار إلى أن القانون الدولي يفرض حماية المؤسسات التعليمية وحق التعليم، لكن العائلات في غزة اضطرت لاستخدام المدارس كملاجئ، ومع ذلك قُصفت هذه المدارس وأُبيدت بالكامل، لتصبح المدرسة في ذاكرة الأطفال "مكان موت أهلهم" بدلاً من "بيت للعلم".
وختم قائلاً: "التعليم في غزة تعرّض لهجوم متعمّد ومنهجي".
من جانبه، قدّم الأستاذ وسام عامر، من جامعة كامبريدج عرضاً بعنوان "إبادة المعرفة: التدمير المنهجي للحياة الفكرية في غزة وإسكات مستقبل فلسطين".
وقال عامر: "ما نشهده في غزة هو تدمير مقصود ومنهجي للمعرفة، وللجامعات والمدارس، وقتل الأكاديميين والمعلمين والطلاب الذين يمثلون القلب الفكري لغزة".
وأضاف أن ما يحدث في فلسطين اليوم ليس مجرد إبادة جماعية، بل استمرار لمشروع استيطاني صهيوني استعماري يهدف إلى محو الوجود الفلسطيني بالكامل.
وأشار عامر، إلى أن إسرائيل دمّرت المكتبات والأرشيفات الفلسطينية.
وقال: "الأرشيفات والمكتبات التي دمّرتها إسرائيل ليست مجرد مبانٍ، بل تراكم معرفي لأجيال".
وأردف: "على هيئة المحلفين أن تدرك أن ما تدمّره إسرائيل ليس فقط الجامعات والمدارس، بل فكرة المستقبل المبني على التعليم"./انتهى
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليغرام