وفي ما يلي نص الكلمة:
السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. اقف امامكم اليوم ممثلا عن العراق - الدولة المؤسسة في الامم المتحدة. وعن شعبه الضارب في عمق التأريخ، الى حضارات اور وسومر وبابل و آشور، أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية.
نجتمع اليوم، وما زلنا نواجه التحديات الصحية الناتجة عن وباء كوفيد19، كما لم تزل قضايا العنف والإرهاب وتحديات التنمية المستدامة وتغير المناخ تمثل تحديات خطيرة تتطلب منا حلولا جدية.
هذه التحديات تؤكد من جديد أن للأمم المتحدة والمنظمات الدولية دورا أساسيا في تنسيق المواقف لمواجهة التحديات.. وآن الأوان لنواجه الاخطار معا، واجتماعنا هذا العام يمثل فرصة للتعاون والاتفاق على خارطة طريق للمستقبل.
في العراق، اتخذت الحكومة العديد من التدابير الصحية اللازمة للسيطرة على الوباء رغم محدودية البنى التحتية الصحية التي شهدت دمارا واسعا جراء الحروب التي مر بها البلد خلال الفترات الماضية... اذ تمكنا من زيادة قابلية المؤسسات الحكومية في تقديم العلاج والوقاية، وكان العراق من أوائل الدول التي انضمت إلى مبادرة "كوفاكس" لتوفير اللقاحات لمواطنينا والمقيمين الأجانب.
وفي هذه المناسبة، نعرب عن بالغ تقديرنا حكومة وشعبا للمنظمات الدولية وخاصة منظمة الصحة العالمية على جهودها في دعم العراق للتصدي لهذا الوباء.
السيد الرئيس ... الحضور الكرام، |
لقد عصفت بالعراق وشعبه على مدى الأربعين سنة الماضية على الأقل، الحروب والحصار والاضطهاد وحملات الإبادة والأنفال والمقابر الجماعية واستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة وتجفيف الأهوار واستباحة الإرهاب لمدننا.
نجحنا بتجاوز هذه المآسي الرهيبة، وتمكنا من تحرير مدننا من دنس داعش وحماية العالم من جرائمه، ببسالة قواتنا المسلحة من الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة وبدعم التحالف الدولي وجيراننا واصدقائنا، والدور الكبير للمرجعية الدينية في النجف الاشرف التي حشدت قوى الشعب في هذه المواجهة المصيرية.
كما تواصل قواتنا المسلحة بحزم عملياتها للقضاء على ما تبقى من الخلايا الإرهابية التي تهدد امن العراق والمنطقة والعالم.. اذ لا يمكن أن نستخف بخطورة الإرهاب،ونجزم أن التهاون او الانشغال بالصراعات في منطقتنا سيكون متنفسا لعودة تلك المجاميع الظلامية وتهديد شعوبنا وامننا.
اذ لا خيار لنا الا التعاون والتكاتف في مواجهة ظاهرة الارهاب الدولي والجماعات الداعمة له ومكافحة تمويله، ومعالجة آثاره الخطيرة وانصاف ضحاياه، وضمان عدم تكرار المآسي الرهيبة.
ويقوم واجبنا الآن في أعمار المدن المحررة وإعادة النازحين الى ديارهم، وقد حققنا تقدما في ذلك، ونتطلع إلى المزيد من دعم المجتمع الدولي في إعادة إعمار المناطق المحررة من الارهاب، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية الطارئة وتعزيز القدرات في إعادة بناء البنى التحتية في البلد بما يسهم في عودة الحياة الطبيعية الكريمة لمواطنينا.
وأشير في هذا السياق، الى إقرار العراق قانون الناجيات الايزيديات لإنصاف هذه الشريحة التي تعرضت لأبشع أنواع الاضطهاد والاستغلال على يد داعش، ويشمل أيضا النساء من باقي المكونات.
السيدات والسادة
الان ظاهرة الفساد هي الأخرى تهدد أمن واستقرار العالم اجمع، فهي تغذي العنف والإرهاب.. ويواجه بلدنا ظاهرة الفساد بسبب الارث الخطير من الحروب والنزاعات والعنف التي بددت الكثير من موارد بلدنا وحرمت العراقيين من التمتع بخيرات بلدهم. ولذا فأن مكافحة الفساد تمثل للعراق اليوم معركة وطنية، لن يصلح وضع البلد قبل الانتصار فيها.. ترتكز هذه المعركة على الحد من منابع الفساد واغلاق منافذه.. والعمل على استرداد ما تم نهبه وتهريبه من اموال يستخدم جزء كبير منه لإدامة العنف والفوضى في البلد.. فلا خيار أمامنا الا الانتصار في هذه المعركة.والتزاما بمكافحة الفساد، انضم العراق الاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2000 واتفاقية جامعة الدول العربية لمكافحة الفساد لسنة 2010، ونعمل على تبتی مشروع قانون لاسترداد الأموال المنهوبة، كما نظمت الحكومة مؤتمرا من اجل تنسيق الجهد لتحقيق ذلك.
ومن هنا، أدعو الأصدقاء في المجتمع الدولي لمساعدتنا في الكشف واسترداد أموال الفساد المهربة من العراق.. اذ ان تحقيق ذلك سيكون خطوة حاسمة في ردع الفساد.. وتجدد دعوتنا لتشكيل تحالف دولي لمحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، على غرار التحالف الدولي ضد الإرهاب.. اذ لا يمكن القضاء على الإرهاب الا بأنهاء الفساد بوصفه اقتصادة سياسية للعنف والإرهاب.. فالفساد والإرهاب مترابطان ومتلازمان ومتخاډمان، ويديم أحدهما الآخر.
السيد الرئيس.. الحضور الكرام،
يواجه كوكبنا حالات خطرة وجودية، يتجسد أمامنا في التغيرات المناخية الحادة التي تهدد مستقبل أجيالنا القادمة... قد نختلف سیاسا، ولكن علينا أن نتحد معا في مواجهة التغير المناخي، فهو خطر يهدد الجميع.
ويمر بلدنا العراق، بظروف مناخية صعبة من التصحر وشحة في الموارد المائية جعلت البلاد خامس أكثر البلدان هشاشة اتجاه التغيرات المناخية وفق التقرير السادس للتوقعات البيئية العالمية لمنطقة غرب آسيا.
لقد انضم العراق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لسنة 1992 واتفاقية باريس لسنة 2015، ونعمل على تبني إستراتيجية تستهدف حماية البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتم وضع وثيقة المساهمات الوطنية لتوجيه التحول الاقتصادي وإرساء مفهوم الاقتصاد الأخضر بشكل سيسهم في استقطاب فرص استثمارية جديدة في العراق، وتوفير مشاركة أكبر للقطاع الخاص في مجال التعامل مع تغير المناخ.
علينا أنعاش وادي الرافدين... فهذه المنطقة من الأرض كان يطلق عليها ارض السواد وجنات عدن لشدة خضرتها وارضها الخصبة، والعراق بموقع الجغرافي في قلب المنطقة، وتنوع البيئي حيث النخيل والأهوار وجبال كردستان، يمكنه أن يكون منطلقة لجمع دول الشرق الأوسط بيئية، وهذا يتطلب الدعم الدولي بمختلف مجالاته المساندة لجهود العراق وتمكينه في تنفيذ هذه السياسات والاستراتيجيات الوطنية.
فأزمة المناخ لا تميز او تستثني بلد دون آخر، والتكيف معها وتحجيم اضرارها لن ينجح عبر خطوات فردية، ولن يسلم بلد يعتقد ان اجراءاته كفيلة لحمايته من مخاطر المناخ من دون إجراءات مماثلة لجيرانه ومنطقته والعالم ككل، فالعواصف الرملية وشحة المياه و ارتفاع درجات الحرارة والتصحر مخاطر عابرة للحدود لن تعالج الا
بتنسيق وتخطيط دولي مشترك عال المستوي يدمج الخطط الوطنية والاقليمية والدولية مع بعضها البعض.
السيدات والسادة..
يقع العراق في قلب منطقة الشرق الأوسط التي عانت وتعاني من حروب ونزاعات مستحكمة جراء انهيار منظومتها الأمنية والسياسية على الأقل منذ أربعين عاما تقريبا وكان غياب العراق عن دوره الطبيعي في المنطقة أحد أسباب فقدان الاستقرارالاقليمي.
وفي ظل ذلك، تبتي العراق سياسة متوازنة ترتكز على دعم الحوار وتخفيف التوترات والبناء على المشتركات.. اذ نؤكد الحاجة لمنظومة جديدة تستند على التعاون والترابط الاقتصادي بين دول المنطقة وبمشاركة المجتمع الدولي، وتستجيب للتحديات المشتركة من الإرهاب والتطرف وتقلبات الأوضاع الاقتصادية وعدم التمكن من توفير فرص عمل للأعداد المتنامية من شبابنا، وأيضا التداعيات الخطيرة للمتغيرات المناخية.
وانطلاقا من ذلك، نظمت الحكومة العراقية مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، لنؤكد أن العراق الذي كان عنوانا للتنازع تريده نقطة تلاقي مصلحة شعوب ودول المنطقة، وان نجاح مساعي إحلال السلام لن يتم من دون العراق.. العراق الآمن والمستقر بسيادة كاملة، وإعادته لدوره المحوري في المنطقة، وهذا يستدعي دعمة إقليميا ودوليا وإنهاء تنافسات وصراعات الآخرين على ارضنا.
ونشير أيضا إلى أن استمرار الازمة السورية وتداعياتها الإنسانية الرهيبة للشعب السوري بات غير مقبول، ونذكر ان بؤر خطيرة للإرهاب تنشط باستمرار وتعتاش على ديمومة هذه الأزمة، وتهدد بلدنا وكل المنطقة... وقد آن الأوان لتحرك جاد لإنهاء معاناة السوريين يستند الى احترام حقهم في السلام والحرية، واستئصال بؤر الإرهاب النشطة هناك.
ويؤكد العراق موقفه بضرورة إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، فلا يمكن ان يستتب السلام في المنطقة بدون إقرار وتلبية كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.
كما أن استمرار الحرب في اليمن وتداعياتها الأمنية والانسانية مبعث قلق يستدعي التوصل لحل يحقق الأمن والسلام لمواطنيه ولدول المنطقة.
السيد الرئيس ... الحضور الكرام
في الشهر المقبل ينتظر العراق استحقاقا وطناي مفصليا يتمثل في الانتخابات المبكرة، استجابة لحراك شعبي وإجماع وطني واسع على الحاجة لإصلاحات جذرية وعقد سياسي و اجتماعي جديد يعالج مكامن الخلل في منظومة الحكم، ويضمن الحكم الرشید... فهي انتخابات مصيرية ستكون لها تبعات على العراق وكل المنطقة.
وتجري هذه الانتخابات وشعبنا يحيي مسيرة راجلة نحو كربلاء الحسين عليه السلام، تتجسد فيها أروع القيم الإنسانية النبيلة في الإصلاح والسلام ورفض الظلم والاستبداد وطلب العيش بكرامة، وحدوهم الامل متمسكين بالإرادة الصلبة في الحفاظ على الوطن والمضي في طريق الإصلاح ومكافحة الفساد والحق في حياة كرة كريمة.
ولتحقيق هذه الأهداف النبيلة، فان إعادة ثقة العراقيين في الانتخابات وضمان المشاركة الواسعة بالنسبة لنا الان يمثل أولوية قصوى، فقد تم إقرار قانون انتخابي جديد أكثر عدة وتمثيلا، ومفوضية انتخابات جديدة، ووفرت الحكومة لها احتياجاتها لتنظيم الاقتراع، وتم تبني "مدونة السلوك الانتخابي" من أجل إنجاح الانتخابات تكون المسار السلمي للإصلاح عبر برلمان وحكومة يستندان بحق الى حكم الشعب بدون قيمومة أو تلاعب.. اذ أن أحد أسباب الاحتقان السياسي في البلد يعود إلى مكامن الخلل وغياب الثقة الشعبية في العمليات الانتخابية السابقة.
وفي هذا الصدد.. أتقدم بالشكر الى الدول التي ساهمت باعتماد قرار مجلس الأمن ۲۵۷۹ الخاص
بدعم العملية الانتخابية في العراق، والى الامانة العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوربي لدورهما في تسهيل ارسال المراقبين الدوليين لضمان أعلى مستويات الشفافية، ولبعثة الأمم المتحدة في العراق لما بذلته من جهوډ في تقديم الدعم الانتخابي.
أيها الأعزاء،
إن العراق هو مثال حي للتنوع والتعايش الإنساني العميق في التاريخ، وشعبنا يشعر بقوة التنوع والتعايش الراسخة في جذوره، ويدرك أن الأمم تقوى عندما يكون احترام التنوع معيارة لثقافتها.
ولهذا أختم حديثي بالقول اننا شركاء في هذا الكوكب، وشركاء في التطلعات وفي المخاوف، وفي القيم الإنسانية، نحتاج أن نشعر ونقف مع بعضنا لإيقاف التدهور./انتهى8
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليغرام